فصل: تفسير الآية رقم (160):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج أحمد ومسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم: تعال صلِّ بنا. فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمير تكرمه الله هذه الأمة».
وأخرج الطبراني عن أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل عيسى ابن مريم عند المنارة البيضاء في دمشق».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبد الرحمن بن سمرة قال: بعثني خالد بن الوليد بشيرًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مؤتة، فلما دخلت عليه قلت: يا رسول الله فقال: «على رسلك يا عبد الرحمن، أخذ اللواء زيد ابن حارثة فقاتل حتى قتل رحم الله زيدًا، ثم أخذ اللواء جعفر فقاتل فقتل رحم الله جعفرًا، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فقاتل فقتل رحم الله عبد الله، ثم أخذ اللواء خالد ففتح الله لخالد، فخالد سيف من سيوف الله، فبكى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم حوله، فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: وما لنالآنبكي وقد قتل خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل منا! فقال: لا تبكوا فإنما مَثل أمتي مثل حديقة قام عليها صاحبها، فاجتث زواكيها، وهيأ مساكنها، وحلق سعفها، فأطعمت عامًا فوجا، ثم عاما فوجا، ثم عامًا فوجا، فلعل آخرها طعمًا يكون أجودها قنوانًا، وأطولها شمراخًا، والذي بعثني بالحق ليجدن ابن مريم في أمتي خلفًا من حواريه».
وأخرج ابن أبي شيبة والحكيم والترمذي والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي عن أبيه قال: لما اشتد جزع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على من قتل يوم مؤتة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليدركن الدجال من هذه الأمة قومًا مثلكم أو خيرًا منكم ثلاث مرات، ولن يخزي الله أمة أنا أولها وعيسى ابن مريم آخرها»، قال الذهبي: مرسل وهو خبر منكر.
وأخرج الحاكم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيدرك رجال من أمتي عيسى ابن مريم، ويشهدون قتال الدجال».
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليهبطن ابن مريم حكمًا عدلًا، وامامًا مقسطًا، وليسلكن فجًا حاجًّا أو معتمرًا، وليأتين قبري حتى يسلِّم عليَّ، ولأردن عليه». يقول أبو هريرة: أي بني أخي إن رأيتموه فقولوا: أبو هريرة يقرئك السلام.
وأخرج الحاكم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك منكم عيسى بن مريم فَلْيُقْرئْهُ مني السلام».
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي هريرة قال: يلبث عيسى ابن مريم في الأرض أربعين سنة، لو يقول للبطحاء سيلي عسلًا لسالت.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه عن مجمع بن جارية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليقتلن ابن مريم الدجال بباب لدّ».
وأخرج أحمد عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عصابتان من أمتي أحرزهم الله من النار: عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم».
وأخرج الترمذي وحسنه عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده قال: مكتوب في التوراة صفة محمد، وعيسى ابن مريم يدفن معه.
وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني عن عبد الله بن سلام قال: يدفن عيسى ابن مريم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فيكون قبره رابعًا. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}، إنْ هنا نافيةٌ بمعنى مَا، ومِنْ أهْلِ يجوز فيه وجهان:
أحدهما: أنه صفة لمبتدأ محذوف، والخبرُ الجملةُ القسمية المحذوفة وجوابها، والتقدير: وما أحدٌ من أهل الكتاب إلاَّ واللَّهِ ليُؤمِننَّ به، فهو كقوله: {وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} [الصافات: 164]، أي: ما أحدٌ مِنَّا، وكقوله: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [مريم: 71] أي: مَا أحَدٌ مِنْكُمْ إلاَّ وَارِدُها، هذا هو الظاهر.
والثاني- وبه قال الزمخشري وأبو البقاء-: أنه في محلِّ الخبر، قال الزمخشري: وجملة {لَيُؤْمِنَنَّ به} جملةٌ قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف، تقديره: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتاب أحَدٌ إلاَّ ليُؤمِنَنَّ بِهِ، ونحوه: {وما منا إلا له مقام معلوم} {وإن منكم إلا واردها}، والمعنى: وما من اليهود أحَدٌ إلاَّ ليُؤمنَنَّ، قال أبو حيان: وهو غلطٌ فاحشٌ؛ إذ زعم أن {لَيُؤْمِنَنَّ بِه} جملة قسمية واقعةٌ صفةً لموصوف محذوف إلى آخره، وصفة أحد المحذوف إنما الجار والمجرور؛ كما قَدَّرناه، وأمَّا قوله: {لَيُؤْمِنَنَّ بِه}، فليستْ صفةً لموصوف، ولا هي جملة قسمية، إنما هي جملة جواب القَسَم، والقسم محذوفٌ، والقسمُ وجوابُه خبر للمبتدأ، إذ لا ينتظم من أحد، والمجرور إسناد؛ لأنه لا يفيد، وإنما ينتظم الإسنادُ بالجملة القسمية وجوابها، فذلك هو مَحَطُّ الفائدةِ، وكذلك أيضًا الخبرُ هو {إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ}، وكذلك {إِلاَّ وَارِدُهَا}؛ إذ لا ينتظم مما قبل {إلاَّ} تركيب إسناديٌّ.
[قال شهاب الدين] وهذا- كما تَرَى- قد أساء العبارة في حق الزمخشريِّ؛ بما زعم أنه غلط، وهو صحيح مستقيم، وليت شعري كيف لا ينتظم الإسنادُ من أحد الموصوفِ بالجملة التي بعده، ومن الجارِّ قبله؟ ونظيرُه أن تقول: مَا فِي الدَّارِ رَجُلٌ إلاَّ صَالِحٌ فكما أن فِي الدَّار خبر مقدَّم، ورَجُلٌ مبتدأ مؤخر، وإلاَّ صَالِحٌ صفته، وهو كلامٌ مفيد مستقيمٌ، فكذلك هذا، غايةُ ما في الباب أنَّ إلاَّ دخلت على الصفة؛ لتفيدَ الحصْر، وأما ردُّه عليه حيث قال: جملةٌ قسميَّة، وإنما هي جوابُ القسَم، فلا يَحْتاجُ إلى الاعتذار عنه، ويكفيه مثلُ هذه الاعتراضاتِ.
واللام في {ليُؤمِنَنَّ} جوابٌ قسمٍ محذوف، كما تقدَّم.
وقال أبو البقاء: ليُؤمِنَنَّ جواب قسم محذوفٍ، وقيل: أكَّدَ بها في غير القسَم؛ كما جاء في النفي والاستفهام، فقوله: وقيل... إلى آخره إنما يستقيم ذلك، إذا أعَدْنا الخلاف إلى نونِ التوكيد؛ لأنَّ نون التوكيد قد عُهِد التأكيدُ بها في الاستفهام باطِّرادٍ، وفي النفي على خلاف فيه، وأما التأكيدُ بلام الابتداء في النفي والاستفهام، فلم يُعْهَد ألبتة، وقال أيضًا قبل ذلك: وما مِنْ أَهْلِ الكتاب أحدٌ، وقيل: المحذوفُ مَنْ وقد مرَّ نظيره، إلا أنَّ تقديرَ مَنْ هنا بعيدٌ، لأن الاستثناء يكون بعد تمام الاسْمِ، ومَنْ الموصولة والموصوفةُ غيرُ تامَّة، يعني أن بعضهم جعل ذلك المحذوفَ لفظَ مَنْ، فيقدِّر: وإنْ مِنْ أهْلِ مَنْ إلاَّ ليُؤمِنَنَّ، فجعلَ موضع أحد لفظ مَنْ، وقوله: وقَدْ مرَّ نظيره، يعني قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَمَن يُؤْمِنُ بالله} [آل عمران: 199] ومعنى التنظير فيه أنه قد صرَّح بلفظ من المقدَّرةِ ههنا.
وقرأ أبَيٌّ: {ليُؤمِنُنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِمْ} بضم النون الأولى مراعاة لمعنى أحد المحذوف، وهو وإن كان لفظه مفردًا، فمعناه جمع، والضمير في به لعيسى عليه السلام، وقيل: لله تعالى، وقيل: لمحمَّد عليه السلام، وفي {مَوْته} لعيسى، ويُروى في التفسير؛ أنه حين ينزل إلى الأرض يُؤمِنُ به كلُّ أحدٍ، حتى تصيرَ المِلّةُ كلُّها إسلامية وهو قَوْلُ قَتادَة، وابن زَيْدٍ وغيرِهِما، وهو اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ.
وقيل: يَعُود على أحد المُقدَّر، أي: لا يَمُوت كِتَابِيٌّ حتى يُؤمن بعيسى قبل مَوْتِهِ عند المُعَايَنَةِ حين لا يَنْفَعُهُ.
ونُقِل عن ابن عَبَّاسٍ ذلك، فقال له عِكْرِمة، أفَرأيْتَ إن خَرَّ بَيْتٌ أو احْتَرَق أو أكَلَهُ سَبُعٌ؟ قال: لا يمُوتُ حَتَّى يُحَرِّكَ بها شَفَتَيْهِ، أي: بالإيمَانِ بعيسى.
وروى شَهْر بن حَوْشب عن الحَجَّاج؛ أنه قال يا شهر آية في كتاب الله ما قَرأتُهَا إلاَّ في نفسي مِنْهَا شَيْءٌ، يعني: هذه الآيَةَ؛ فإني أضْرِبُ عُنُقَ اليَهُودِي، ولا أسْمَعُ منه ذلِك، فقُلْتُ: إن اليَهُودِي إذا حَضَرَهُ المَوْتُ ضَرَبَت الملائِكَة وَجْهَهُ وَدبُرَهُ، وقالوا: يا عَدُوَّ اللَّهِ، أتاك عِيسَى نَبِيًّا فكَذَّبْت به، فيقُولُ: آمنْتُ أنه عَبْدُ الله، فأهْلُ الكِتَابِ يؤمِنُون به، ولكن حَيْثُ لا يَنْفَعُهُم ذَلِك الإيمانُ، فاسْتَوَى الحَجَّاج جَالِسًا فقال: مِمَّن نَقَلْتَ هذا؟ فقال: حَدَّثَنِي به محمد بن عَلِيّ ابن الحَنفِيَّة، فأخذ يَنْكُتُ في الأرْضِ بِقَضيبٍ، ثم قال: أخَذْتهَا من عَيْنٍ صَافِيَةٍ.
وقرأ الفَيَّاض بن غزوان {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب} بتشديد إنَّ، وهي قِرَاءةٌ مَرْدُودَةٌ لإشْكَالِهَا.
قوله سبحانه: {وَيَوْمَ القيامة} العامل فيه {شَهِيدًا} وفيه دليلٌ على جوازِ تقدُّم خبر كان عليها؛ لأنَّ تقديمَ المعمولِ يُؤذِن بتقديمِ العامل، وأجاز أبو البقاء أن يكون منصوبًا بيكُون وهذا على رأي مَنْ يجيز لكَان أن تعمل في الظرفِ وشبهه، والضميرُ في يكُون لعيسى يعني: يكُون عيسى عليهم شَهيدًا: أنه قد بَلَّغَهُم رِسَالة رَبِّه، وأقَرَّ بالعُبُودِيَّة على نفْسِهِ مُخْبِرًا عنهم {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} [المائدة: 117] وكل نَبِيٍّ شَاهِدٌ على أمَّتِهِ، وقيل: الضَّميرُ في يكُونُ لمحمَّدٍ عليه السلام. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (160):

قوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أذن حرف الاستعلاء في الشهادة بأنه لا خير لهم في واحد من الدارين، وبأن التقدير: فبظلمهم، سبب عنه قوله دلالة على أن التوراة نزلت منجمة: {فبظلم} أي عظيم جدًا راسخ ثابت، وهو جامع لتفصيل نقض الميثاق وما عطف عليه مما استحلوه بعد أن حرمته التوارة، وقال مشيرًا إلى زيادة تبكيتهم: {من الذين هادوا} أي تلبسوا باليهودية في الماضي ادعاء أنهم من أهل التوراة والرجوع إلى الحق، ولم يضمر تعيينًا لهم زيادة في تقريعهم {حرمنا عليهم طيبات أحلت} أي كان وقع إحلالها في التوراة {لهم} كالشحوم التي ذكرها الله تعالى في الأنعام.
ولما ذكر ظلمهم ذكر مجامع من جزئياته، وبدأها بإعراضهم عن الدين الحق، فقال معيدًا للعامل تأكيدًا له: {وبصدهم عن سبيل الله} أي الذي لا أوضح منه ولا أسهل ولا أعظم، لكون الذي نهجه له من العظمة والحكمة ما لا يدرك، وصد يجوز أن يكون قاصرًا فيكون {كثيرًا} صفة مصدر محذوف، وأن يكون متعديًا فيكون مفعولًا به، أي وصدهم كثيرًا من الناس بالإضلال عن الطريق، فمُنِعوا مستلذات تلك المآكل بما مَنَعوا أنفسهم وغيرهم من لذاذة الإيمان. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما شرح فضائح أعمال اليهود وقبائح الكافرين وأفعالهم ذكر عقيبه تشديده تعالى عليهم في الدنيا وفي الآخرة، أما تشديده عليهم في الدنيا فهو أنه تعالى حرّم عليهم طيبات كانت محللة لهم قبل ذلك، كما قال تعالى في موضع آخر: {وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ وَمِنَ البقر والغنم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون} [الأنعام: 146] ثم إنه تعالى بيّن ما هو كالعلة الموجبة لهذه التشديدات.
واعلم أن أنواع الذنوب محصورة في نوعين: الظلم للخلق، والإعراض عن الدين الحق، أما ظلم الخلق فإليه الإشارة بقوله: {وَبِصَدّهِمْ عَن سَبِيلِ الله} ثم إنهم مع ذلك في غاية الحرص في طلب المال، فتارة يحصلونه بالربا مع أنهم نهوا عنه، وتارة بطريق الرشوة وهو المراد بقوله: {وَأَكْلِهِمْ أموال الناس بالباطل} ونظيره قوله تعالى: {سماعون للكَذِبَ أكالون لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] فهذه الأربعة هي الذنوب الموجبة للتشديد عليهم في الدنيا وفي الآخرة، أما التشديد في الدنيا فهو الذي تقدم ذكره من تحريم الطيبات عليهم، وأما التشديد في الآخرة فهو المراد من قوله: {وَأَعْتَدْنَا للكافرين مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}. اهـ.